تكتب شاكو مختالي في هذا التحليل المنشور على كويليت أن الحرب في السودان لا تختزل في فشل ثورة أو صراع «جنرالات»، بل تكشف خط صدع بين شرق أوسطين: نظام رفضٍ قديم كرّسته «اللاءات الثلاث» في مؤتمر الخرطوم 1967، ونظام جديد غير مكتمل تشكّله اتفاقيات أبراهام، حيث تحلّ الدولة وبناء المؤسسات والتعايش محل تقديس «المقاومة». يحدّد هذا الصراع مصير الفتحة المدنية التي ظهرت في 2019: إمّا تُدفن نهائيًا، أو تُتاح للسودان فرصة بناء نظام معتدل، مفصول عن الإخوان المسلمين، ومتصالح مع اليهود ومع جماعاته المضطهدة.
تشير كويليت إلى أن السردية أصبحت السلاح الأنجح. تعيد منظومة إعلامية متحالفة مع قطر تقديم السودان للغرب كحكاية أخلاقية تُصوِّر الإمارات «دولة استعمارية إباديّة»، بينما تتوارى البنية الإسلاموية المزروعة داخل أجهزة الأمن. في المقابل، تعود إيران إلى الخرطوم، وتدعم الجيش بطائرات مسيّرة، وفق تقارير دولية، ما يغيّر ميزان الواقع الاستراتيجي.
ميلاد مدني قصير وانكساره
تروي الكاتبة كيف فتح حراك 2018–2019 نافذة نادرة على سودان مدني جامع، قادته نساء «الكنداكات» ورفعت هتاف «حرية، سلام، وعدالة» بوصفه مطلب مواطنة لا شعارًا أيديولوجيًا. شكّل انتقال ما بعد البشير حكومة شاملة نسبيًا بقيادة عبد الله حمدوك، وبدأ تفكيك منظومة القوانين الإسلاموية: ألغى قيود «النظام العام»، وخفّف تجريم الردة والكحول، وشرع في ردّ الاعتبار لمبدأ المواطنة المتساوية. لم يستورد هذا المسار ليبرالية غربية جاهزة، لكنه حاول نقل مركز الثقل من العقيدة والعرق إلى الحقوق.
اتخذ التحول ذروته عندما أبدى السودان استعدادًا للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام مقابل الخروج من قائمة الإرهاب الأمريكية، في محاولة واعية لقطع مع الماضي وبناء تحالفات جديدة. غير أن انقلاب أكتوبر 2021 أعاد إنتاج الدولة القديمة، وأوقف التجربة على أجهزة الإنعاش.
الخطيئة المؤسسة والحرب الإسلاموية الجديدة
تشرح المقالة أن الانقلاب لم يعُد بالبلاد إلى حكم عسكري فحسب، بل أعاد تثبيت «الخطيئة المؤسسة»: هيمنة نخبة مُعَرَّبة على وادي النيل، واستخدام «العروبة» كهوية إمبراطورية ضد جماعات سوداء وغير عربية وغير مسلمة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. في التسعينيات، قدّس هذا الهرم نفسه عبر لاهوت إبادي رعاه حسن الترابي، وشرعن «الجهاد» ضد «الكفار والمنافقين»، فصار القتل سياسة دولة.
على هذا الخلف، بدا توقيع إعلان أبراهام انعطافًا حادًا نحو قبول السيادة اليهودية ونبذ الحرب المقدسة. فجاء الردّ بانفجار حرب أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع. لا ترى الكاتبة النزاع مجرد تنازع سلطة؛ إذ عرض عبد الفتاح البرهان تقاسمًا، لكن اصطفاف الدعم السريع مع قوى ديمقراطية حوّل المواجهة إلى مسألة وجود للنظام القديم. توسعت الحرب، وخلّفت أكبر أزمة نزوح عالميًا، فيما اكتسب السودان أهمية إضافية بساحله على البحر الأحمر وحدوده السبع، ودوره التاريخي كممر أسلحة لإيران وحلفائها.
تُبرز المقالة تعقيد الاصطفافات الداخلية: في الخرطوم والشمال، يميل قطاع من الطبقة الوسطى إلى الجيش باعتباره «الدولة»، بينما ترى أطراف منكوبة أن الدولة نفسها كانت آلة قتل، فتتعامل مع الدعم السريع كقوة كاسرة للاحتكار، رغم تاريخه الملطخ. وتلفت إلى إعادة الجيش تدوير ميليشيات قديمة، وتوثيق صلات متزايدة بطهران، ما يحوّل الخرطوم إلى عقدة في «محور المقاومة».
صناعة «إسرائيل جديدة» وتشويه السرد
تفكك الكاتبة الحرب الإعلامية التي تُحمِّل الإمارات دور «الشرير الأوحد»، وتعيد تمثيل دارفور على طريقة غزة، فتغسل سجل الإسلاميين داخل الجيش وتُشيطن كل مشروع مضاد لهم بوصفه «استعمارًا». تشرح مثال «ذهب السودان» لتوضيح آليات التضليل: تُقدَّم دولة غير منتِجة كمُنهِبة، مع تجاهل بنية تجارة الذهب العالمية ومعايير الامتثال، رغم وجود تقارير عن دعم عسكري للدعم السريع يقابله أيضًا تدفق مساعدات إنسانية كبيرة. لا تبرّئ هذه القراءة أحدًا، لكنها ترفض الكاريكاتير.
تنتقد المقالة الانتقائية في توظيف تقارير حقوقية داخل منظومة سردية مُسيَّسة، وتحذّر من اختزال الإبادة في «مغامرات إماراتية» مع إغفال محور إيران الإسلاميين. وتختم بأن الرهان الغربي على «مظهر الدولة» خطأ واقعي؛ فالجيش مخترق إخوانيًا ويتحوّل إلى واجهة لمشروع عابر للحدود.
يقف السودان بين مشروع اندماج إقليمي يسعى إلى السلام وبناء الدولة، ومشروع جهادي يُغذّي الحرب الدائمة. اختيار أي «خرطوم» تُحمى وتُشرعن سيحدد ليس مصير السودان فحسب، بل أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي بأكمله.
https://quillette.com/2025/12/26/sudan-between-two-middle-easts-sudan-iran-qatar-uae/

